الکشاف عن حقائق غوامض التنزیل، ج1، ص: 153
و کانوا طلبوا البقرة الموصوفة أربعین سنة. فإن قلت: کانت البقرة التی تناولها الأمر بقرة من شق البقر غیر مخصوصة، ثم انقلبت مخصوصة بلون و صفات، فذبحوا المخصوصة، فما فعل الأمر الأوّل؟ قلت: رجع منسوخا لانتقال الحکم إلى البقرة المخصوصة، و النسخ قبل الفعل جائز. على أنّ الخطاب کان لإبهامه متناولا لهذه البقرة الموصوفة کما تناول غیرها.
و لو وقع الذبح علیها بحکم الخطاب قبل التخصیص لکان امتثالا له، فکذلک إذا وقع علیها بعد التخصیص وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً خوطبت الجماعة لوجود القتل فیهم فَادَّارَأْتُمْ فاختلفتم و اختصمتم فی شأنها، لأنّ المتخاصمین یدرأ بعضهم بعضاً، أى یدفعه و یزحمه. أو تدافعتم، بمعنى طرح قتلها بعضکم على بعض، فدفع المطروح علیه الطارح. أو لأنّ الطرح فی نفسه دفع. أو دفع بعضکم بعضاً عن البراءة و اتهمه وَ اللَّهُ مُخْرِجٌ ما کُنْتُمْ تَکْتُمُونَ مظهر لا محالة ما کتمتم من أمر القتل لا یترکه مکتوماً. فإن قلت: کیف أعمل مخرج و هو فی معنى المضىّ؟
قلت: و قد حکى ما کان«1»مستقبلا فی وقت التدارؤ. کما حکى الحاضر فی قوله: (باسِطٌ ذِراعَیْهِ) و هذه الجملة اعتراض بین المعطوف و المعطوف علیه و هما (فَادَّارَأْتُمْ) و (فَقُلْنا)
و الضمیر فی اضْرِبُوهُ
إمّا أن یرجع إلى النفس و التذکیر على تأویل الشخص و الإنسان، و إمّا إلى القتیل لما دل علیه من قوله: (ما کُنْتُمْ تَکْتُمُونَ). بِبَعْضِها
ببعض البقرة. و اختلف فی البعض الذی ضرب به، فقیل: لسانها، و قیل: فخذها الیمنى، و قیل: عجبها، و قیل: العظم الذی یلی الغضروف و هو أصل الأذن، و قیل: الأذن، و قیل: البضعة بین الکتفین. و المعنى:
فضربوه فحیى، فحذف ذلک لدلالة قوله: (کَذلِکَ یُحْیِ اللَّهُ الْمَوْتى)
. و روى أنهم لما ضربوه قام بإذن اللَّه و أوداجه تشخب دماً و قال: قتلنی فلان و فلان لا بنى عمه، ثم سقط میتاً، فأخذا و قتلا و لم یورّث قاتل بعد ذلک. کَذلِکَ یُحْیِ اللَّهُ الْمَوْتى
إما أن یکون خطابا للذین حضروا حیاة القتیل بمعنى و قلنا لهم: کذلک یحیى اللَّه الموتى یوم القیامة وَ یُرِیکُمْ آیاتِهِ
و دلائله على أنه قادر على کل شیء لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ
تعملون على قضیة عقولکم. و أن من قدر على إحیاء نفس واحدة قدر على إحیاء الأنفس کلها لعدم الاختصاص حتى لا تنکروا البعث. و إما أن یکون خطابا للمنکرین فی زمن رسول اللَّه صلى اللَّه علیه و سلم. فإن قلت: هلا أحیاه ابتداء؟ و لم شرط فی إحیائه ذبح البقرة و ضربه ببعضها؟ قلت: فی الأسباب و الشروط
__________________________________________________
(1). قوله «قلت و قد حکى ما کان» لعله«قد» بدون واو. (ع) [.....]