الکشاف عن حقائق غوامض التنزیل، ج1، ص: 152
و قرئ تسقى بضم التاء من أسقى مُسَلَّمَةٌ سلمها اللَّه من العیوب أو معفاة من العمل سلمها أهلها منه کقوله:
أَوْ مَعْبَرَ الظَّهْرِ یُنْبِى عَنْ وَلِیَّتِهِ مَا حَجَّ رَبُهُ فِى الدُّنْیَا وَ لَا اعْتَمَرَا«1»
أو مخلصة اللون، من سلم له کذا إذا خلص له، لم یشب صفرتها شیء من الألوان لا شِیَةَ فِیها لا لمعة فی نقبتها«2»من لون آخر سوى الصفرة، فهی صفراء کلها حتى قرنها و ظلفها. و هی فی الأصل مصدر وشاه وشیا وشیة، إذا خلط بلونه لونا آخر، و منه ثور موشى القوائم جِئْتَ بِالْحَقِّ أى بحقیقة وصف البقرة، و ما بقی إشکال فی أمرها فَذَبَحُوها أى فحصلوا البقرة الجامعة لهذه الأوصاف کلها فذبحوها. و قوله وَ ما کادُوا یَفْعَلُونَ استثقال لاستقصائهم و استبطاء لهم، و أنهم لتطویلهم المفرط و کثرة استکشافهم، ما کادوا یذبحونها، و ما کادت تنتهی سؤالاتهم، و ما کاد ینقطع خیط إسهابهم فیها و تعمقهم. و قیل: و ما کادوا یذبحونها لغلاء ثمنها. و قیل: لخوف الفضیحة فی ظهور القاتل.
و روى أنه کان فی بنى إسرائیل شیخ صالح له عجِلة فأتى بها الغیضة«3»و قال: اللهم إنى أستودعکها لابنى حتى یکبر، و کان براً بوالدیه، فشبت و کانت من أحسن البقر و أسمنه، فساوموها الیتیم و أمّه حتى اشتروها بملء مسکها ذهباً، و کانت البقرة إذ ذاک بثلاثة دنانیر
__________________________________________________
(1). أنشده سیبویه. و یقال: أعبرت الشاة فهی معبرة، إذا کثر صوفها لترکها سنة من غیر جز، فالظهر المعبر: المتروک من الجز فیکثر وبره، أو لأنه لا وبر علیه فیحز. و لعل المراد هنا المتروک من الحمل علیه. و قیل:
المنجرد الشعر. و نبا عنه ینبو: انحرف. و أنبیته: حرفته و أبعدته، فما هنا معناه یمنع غیره عن رکوب ولیته.
و ظاهر کلام بعضهم أنه یقال: نبى ینبی، کرمى یرمى، إذا انحرف. و أن ما هنا منه، أى ینفر عن ولیته: أى برذعته، لأنها تلى الجلد. و ربه باختلاس الحرکة للوزن، بمعنى صاحبه. و المعنى: أنه بعیر متروک من العمل فهو مصعب ینفر من الراکب، لأنه لم یسافر أصلا حتى أن صاحبه لا حج و لا اعتمر: و ظاهر کلام بعضهم أن «ربه» هی رب التی هی حرف جر، فتکون جارة للضمیر بلا تمییز لتقدم مرجعه، و دالة على تحقیق النفی مجازاً عن معنى التکثیر و هی اعتراض بین المتعاطفین. و إسناد الفعلین لضمیر البعیر مجاز عقلى، لأنه من آلات الحج و الاعتمار.
و قائل ذلک فسره بأنه منجرد الظهر ینفر من برذعته لدبره من کثرة الأسفار. ما سافر لحج و لا اعتمار، و إنما یسافر إلى الأعداء. و لو جعل معناه کما تقدم لجاز. فالمعنى أنه مصعب لم یرکب و لم یسافر أصلا، حتى أنه لم یسافر لحج و لا عمرة و هو ظاهر.
(2). قوله «لا لمعة فی نقبتها» فی الصحاح: النقبة اللون و الوجه. (ع)
(3). قوله «فأتى بها الغیضة» فی الصحاح: الغیضة الأجمة، و هی مغیض ماء یجتمع فیه فینبت فیه الشجر. (ع)